الصمت.............قوة

الصمت فن من أروع الفنون في التعامل مع المواقف لمن يتقنه ،يمنح صاحبه طاقه قويه للتفكير بعمق والتركيز قبل صدور أي اجابة أو تصرف قد يندم عليه لاحقا .

فالصمت سلاح ذو حدين قد يعبر عن قوة في موقف ما ،وقد يكون تعبيرا عن الضعف والاستسلام في موقف آخر .

الصمت يكون قوة عند الإمتناع عن التكلم في الشر أو إثارة فتنة بين متخاصمين قال رسولنا عليه الصلاة والسلام
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت )
فالسكوت والصمت عن الكلام الفاحش وعن الشر هو
قوة قليل منا يتصف بها ،وكذلك الصمت عند مداراة السفهاء والرد عليهم قال تعالى :
{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً }الفرقان63

وأيضا السيطرة على النفس عند الغضب قال رسولنا :
(ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ).

وأيضا عند الجدال العقيم يكون الصمت قوة : لقول رسولنا :
(أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا )
فاستخدامنا للصمت في هذه المواقف عند الغضب وعند التحدث في أمور تغضب الله من غيبة أو فتنة أو جدال عقيم يكون الصمت هنا قوة ويعود علينا بالنفع ،فيجب علينا تعويد أنفسنا على التأني وعدم السرعة في ردود أفعالنا
فقبل أية ردة فعل لنا لابد من لحظة صمت حتى نعرف الموقف الذي أمامنا وما مدى تأثيره ومصداقيته
بينما في مواقف أخرى يكون دليل ضعف وانهزام واستسلام ...

قال تعالى :

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }البقرة258

هنا بهت النمرود و صمت ،وكان صمته دليل عجز واستسلام وضعف حين عجز عن الإتيان بالشمس من المغرب ،فصمته عن ضعف وليس عن قوة .

أما الموقف الثاني ...في قوله تعالى :

{قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ }يوسف77

هنا أسرها يوسف في نفسه ...وصمت وكتمها في نفسه ،ولم يرد على اتهامهم زورا وبهتانا بل أعرض عنهم
ولم يرد عليهم مع أنه كان القائم على خزائن مصر وفي يده الكيل وتوزيع الطعام وكانوا هم بحاجة له
ومع هذا صمت بالرغم من قدرته على الرد عليهم والدفاع عن نفسه ، لكنه صمت ازدراء منهم ومداراة للسفهاء وعدم الرد عليهم
فكان صمته صمت قوة وايمان .

ولا أنسى موقف مر علي أيام الغزو العراقي لبلدنا الكويت ،حين أمسك الجنود العراقيون بأخي الذي لم يكمل 21عاما وعذبوه ثم أحضروه أمام منزلنا وأعدموه رميا بالرصاص في رأسه كانت رسالة قوية تهتز لها الجبال فكيف بالبشر ،فكان لكل فرد في عائلتي موقف منا الذي صرخ والذي أغمي عليه والذي احتج وسب وشتم

ماعدا أمي كانت صامتة التزمت الصمت وخرت لله ساجدة ،ولم نرى منها سوى الدموع ،فكان صمتها رهيبا
تأثرنا به جميعنا ...كان صمتها رسالة لنا ذكرتنا بأن هناك رب نلجأ له وندعوه
هنا قمة القوة والعظمة رأيتها في صمت أمي ....
جعلتنا جميعا نتوجه لله ساجدين داعين لأخي بالرحمة والمغفرة