النظر إلى المستقبل هل هو جائز من الناحية الشرعية؟

فضيلة الشيخ النظر إلى المستقبل هل هو جائز من الناحية الشرعية؟ لأن
هناك من يقول النظر إلى ما سيحدث في العام القادم أو الذي يليه أو العشر سنوات
القادمة هو نوع من التنبؤ المنهي عنه أو نوع من الرجم بالغيب، فهل هناك تأصيل شرعي
قبل أن ندخل في مفردات كيفية النظر إلى المستقبل والمفردات الأخرى؟

القرضاوي
المستقبل
في بعض جوانبه أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى مثل متى يموت الإنسان، آجال
تفاصيل الحياة المستقبلية هذه أمور كلها ضمير الغيب، لا يستطيع الإنسان أن يخترق
أسوارها ولا أن يعلم حقيقتها لأنها مما يكون في قوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) ولكن
المستقبل في بعض جوانبه يمكن معرفته من خلال الحاضر، يعني الحاضر يدل على
المستقبل، حسب سنن الله سبحانه وتعالى، فمن بذر بذرة وتعهدها بالري والتسميد
والرعاية المفروض حسب سنن الله أنها في شهر كذا تصبح زهرة، وفي شهر كذا تصبح ثمرة،
في شهر كذا تنضج، في شهر كذا تُقطف، فليس هذا من التنبؤ المنهي عنه، ولكنه من
الحديث عن تطور الأشياء حسب سنن الله فيها، لو قلت أن امرأة حملت الآن من زوجها
فالمفروض بعد تسعة أشهر ـ ما لم يحدث شيء ـ إنها تلد إن شاء الله، الآن تجد في
الأرصاد الجوية حينما تقول يتوقع أن يكون الجو غداً فيه رعد وبرق ونزول بعض أمطار،
هذا ليس من باب علم الغيب، إنما هو نظرة إلى المستقبل في ضوء الحاضر، في ضوء
المرتفعات والمنخفضات الجوية هذه حسب سنن الله يترتب عليها أشياء، هذه التوقعات
داخلة في إطار ما علَّم الله الإنسان، الله علَّم الإنسان هذه الأشياء، ولو نظرنا
إلى الجوانب الشرعية نجد أن الإسلام كان يعلِّم المسلمين كيف ينظرون إلى المستقبل
وينبئهم بأشياء لم تقع ليهيئهم نفسيا لهذا الأمر، مثل قوله تعالى (سيُهزم الجمع ويولون الدُبُر) سيدنا عمر عندما يقرأ
هذه الآية في سورة القمر وهي مكية يقول: أيُّ جمع وأيُّ هزيمة، حتى سمع النبي صلى
الله عليه وسلم يقرأها يوم بدر فعرف لماذا نزلت هذه الآية وكيف أعدت النفسية
والذهنية المسلمة لهذا الأمر، وفي سورة المزمل (علم أن
سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في
سبيل الله فاقرأوا ما تيسر منه) فهذا أيضاً إعداد للمستقبل، ونجد في أوائل
سورة الروم نزلت في الصراع بين دولة الفرس ودولة الروم وهما المعسكران الكبيران في
العالم في ذلك الوقت كانا يتنازعان السيادة على العالم مثل الاتحاد السوفيتي
وأمريكا في وقت من الأوقات كانت الكتلة الشرقية بقيادة الدولة الفارسية في إيران
والكتلة الغربية بقيادة الدولة الرومية في بيزنطة، يتنازعان على العالم ولما انهزم
الروم حزن المسلمون وفرح المشركون بانتصار الفرس لأنهم مجوس يعبدون النار، وهم
أقرب إلى مشركي قريش عُبَّاد الأوثان، والمسلمون يجدون أنفسهم أقرب إلى الروم أو
الروم أقرب إليهم، لأنهم أهل كتاب من النصارى ونزلت السورة تقول (غُلِبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبِهم سيَغلِبون في
بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد) كل هذا إعداد للنفسية المسلمة ونجد أن
النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يعيش حياته اعتباطاً، حينما أذِن الله لهم
بالهجرة ظل يخطط لها حتى هو أذِن لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، لم يكن أمراً
اعتباطياً هو اختار المكان المناسب جغرافياً، لأنه مكان خارج جزيرة العرب وقريب من
جزيرة العرب، مناسب سياسياً لأنه هناك ملك لا يُظلم أحد عنده، مناسب دينياً لأنهم
كانوا بيئة مسيحية ومسيحية معتدلة أيضاً، فهذا نتيجة تخطيط ومعرفة، حتى الهجرة
النبوية هجرة النبي عليه الصلاة والسلام خطط للهجرة حينما أراد أن يرجِّح من سيكون
رفيقه، حدد الرفيق أبو بكر، الرواحل التي سيركبها حدد أبو بكر ثمنها، الدليل الذي
سيصحبهم إلى الطريق ويدلهم على المنعطفات عبدالله بن أريقط وكان مشركاً ولكنه كان
مشركاً مأموناً، المكان الذي سيختفون به مدة حتى يهدأ الطلب ويخف هو غار ثور،
واختار غار ثور في الجنوب ليس في طريق الشمال طريق المدينة طريق يثرب، اختاره في
الجنوب كل هذا تعمية، حتى في القرآن نجد أنه ذكر لنا قصة يوسف عليه السلام، تخطيط
يوسف لمدة خمسة عشر عاماً خطة خمس عشرية، الآن هناك خطة ثلاثية، خطة خمسية، خطة
سبعية، إنما هذه خطة الـ 15 سنة، ونتيجة أنه عرف من خلال الرواية أن هناك 7 سنين
خصب و7 سنين قحط، وسنة يغاث فيها الناس، رتب الخطة فلم يكن كلامه مجرد تفسير وإنما
كان تفسير ووضع خطة قال (تزرعون سبع سنين دئباً فما
حصدتم فذروه في سنبله) ثم يأتي بعد ذلك (سبع شداد
يأكلن ما قدمتم لهن)، (ما قدمتم لهن) كأنك
تحدد المقدار الذي يُستهلك فلا تفتح الاستهلاك على مصرعيه فتأكل كل ما عندك ثم
تعيش لا تجد شيئاً كل هذا يدل على أن للتخطيط في الإسلام أصولاً شرعية تدعونا نحن
المسلمين إلى أن نهتم بهذا الأمر ونهيأ له الأُهبة ونعد له العُدة.

النظر إلى المستقبل هل هو جائز من الناحية الشرعية؟ 346-Thanks

على الموضوع

لا شكر على واجب

شكرا على المرور الكريم والرد الجميل